Friday, October 06, 2006

‏ 11سبتمبر‏..‏ الدلالات والتداعيات والعواقب


توقفت كثيرا عند ظاهره ندره الكتابات والمقالات التي نشرت في جرائدنا ومجلاتنا العربيه حول ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحده الامريكيه‏,‏ رغم انه سيشكل علامه فاصله في تاريخ العلاقات الدوليه ولسنوات طويله قادمه‏..‏ ولعلني اجد الكثير من المبررات لاحجام الكثيرين عن الكتابه في هذه اللحظات بالذات‏,‏ فالكثيرون لم يفيقوا بعد من مفاجاه ما حدث‏,‏ واخرون مازالوا في طور محاوله استيعابه‏..‏ وفريق ثالث اثر عدم تسجيل مشاعره وخواطره لاسباب اخري يمكن ان تفهم ضمنا دون البوح بها‏..‏ وبالتالي ترددت كثيرا في كتابه هذه الاسطر لان ما حدث مازال عصيا علي التحليل في كيفيه حدوثه من منطلق عدم معرفه كثير من التفاصيل‏,‏ ولعل بعضها لن يعرف علي الاطلاق‏..‏كما ان اسبابه ودوافعه ليست كلها بالوضوح والبساطه التي قد تبدو للبعض‏..‏ الا ان ترددي بدا يتلاشي تدريجيا كلما زاد استشعاري لجسامه وهول ما هو ات في قليل الايام القادمه‏..‏ ومن ثم وجدتني اقارن بين الكتابه الان وهي مجازفه ومخاطره من منظور احتمال الخطا في التحليل والتسرع في اصدار الاحكام وبين عدم الكتابه كعمل انتحاري من منظور عدم البوح بما استشعره من جلل الاحداث القادمه‏..‏ وبالتالي كان اختيار عواقب خطا التحليل اخف وطاه‏..‏فلم يعد يشغلني ما حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا؟ ومن المسئول؟ رغم الاهميه القصوي لهده الاسئله‏..‏ ولكنني اكثر انشغالا بدلالات وتداعيات وعواقب ما حدث‏,‏ ولعلني مندفع ومدفوع لرصد الهواجس التاليه‏:‏اولا‏:‏ رغم الخسائر الماديه والبشريه الضخمه التي احدثتها انفجارات نيويورك وواشنطن يوم الحادي عشر من سبتمبر الماضي‏(‏ اكثر من خسائر الهجوم علي بيرل هاربور الذي دفع الولايات المتحده الي استعمال السلاح الذري لاول مره في التاريخ‏)‏ الا ان الدمار والخساره النفسيه والمعنويه ممثله في ضرب سمعه الولايات المتحده وكبريائها باعتبارها اقوي دوله علي وجه الارض اعمق وافدح بكثير‏,‏ ولعلني لا ابالغ في القول بان جرح وكسر الكبرياء الامريكي بهذه القسوه والبشاعه يفوق بكثير ما احدثته حرب فيتنام في الوعي العام الامريكي ورؤيه الامريكيه لذاته‏..‏ ان استعاده الهيبه والكرامه الامريكي‏,‏ وبالتالي استعاده التوازن النفسي للمواطن الامريكي تتطلب عملا يفوق في ضخامه ما حدث يوم الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ يؤكد مصداقيه واحقيه قياده العالم من ناحيه‏,‏ ويشكل رادعا لكل من تسول له نفسه محاوله التشكيك في هذه القياده‏(‏ ليست امريكا التي تضرب في عقر دارها‏!!)‏ ان تداعيات هذا التحليل خطيره بكل المقاييس‏.‏فما يتم الاعداد الان ليس تصفيه اسامه بن لادن واتباعه‏,‏ وانما تصفيه الحسابات الحديثه والقديمه مع كل من اتهمته الولايات المتحده بالارهاب او مساندته في يوم من الايام في شكل عمل عسكري تصفوي لاتقف امامه حدود او سيادات دول سواء في افغانستان او في العراق او في ليبيا او في لبنان‏(‏ حزب الله‏)‏ او في الفلبين‏(‏ مجموعه ابو سياف‏)‏ او الجهاد او حماس‏(‏ وقد تترك هاتان الاخيرتان لاسرائيل‏)‏ او في السودان‏..‏ وقد يكون هناك اخرون مرشحون للتصفيه ايضا‏..‏ ان الاقدام والقنابل الامريكيه ستطا اراضي كثيره في مستقبل الايام القادمه‏,‏ ولعل شواهد كثيره تشير بقوه الي احتمال تحقق هذا الطوفان القادم‏:‏ا ضخامه الميزانيه المرصوده من الكونجرس للحمله الامريكيه القادمه‏(40‏ مليار دولار امريكي منهم‏20‏ مليارا للعمل العسكري فقط‏,‏ ولعله يصعب تصور رصد مثل هذا المبلغ فقط لتصفيه اسامه بن لادن او حتي مسح افغانستان كلها من علي خارطه الكره الارضيه‏).‏ب حمله الحشد الامريكيه الضخمه للتاييد العالمي تحت شعار‏(‏ محاربه ومواجهه واقتلاع الارهاب‏)‏ فالتوقيت مناسب تماما والتعاطف مع امريكا في محنتها في اعلي درجاته‏,‏ وبالتالي شرعيه العمل العسكري الامريكي مكفوله‏(‏ شرعيه دوليه سواء صدرت عن طريق الامم المتحده او لم تصدر‏,‏ فهي امر واقع رصدته شاشه التليفريون في كل دول العالم‏)‏ وبالتالي لا يمكن للولايات المتحده من منظور مصلحتها ان تؤجل مثل هذا العمل لوقت اخر‏.‏ج الحشد العسكري الهائل ممثلا في استدعاء اكثر من ثلاثين الفا من الاحتياطي ووضع الاساطيل الامريكيه السادسه والسابعه وقواعدها الجويه في حاله التاهب القصوي وتفعيل الاحلاف العسكريه الامريكيه في اوروبا واسيا واستراليا هو استعداد كامل لحرب عالميه تدور رحاها في اكثر من بلد في وقت واحد‏.‏د‏.‏ غياب القوي العظمي الرادعه لمثل هذا الاجتياح المتوقع‏,‏ بل ان دولا مثل الصين وروسيا لا يتوقع معارضه مثل هذا المخطط الا اذا اقترب تنفيذه من خطوط التماس مع امنها القومي‏,‏ ولااعتقد ان امريكا ستدفع به الي ذلك المدي‏(‏ ان احتلال افغانستان بريا باعداد ضخمه من القوات الامريكيه او الاطلسيه قد يشكل تهديدا امنيا لروسيا‏,‏ وهو مايرجح ان الحشود البريه هي اعداد فعلي للوجود في مناطق مختلفه من العالم في نفس الوقت‏).‏ه ان التاني الامريكي في الرد رغم تاجج مشاعر الغضب في امريكا ليس حكمه وبعد نظر من الاداره الامريكيه كما وصفه البعض بقدر ماهو انتهاز لفرصه حقيقيه سانحه لترتيب خارطه العالم باراده منفرده وفي اطار شرعيه دوليه ودعم اطلسي كامل لن تتاتي لامريكا مره اخري‏..‏ وبالتالي فان بعض الذين سارعوا في دعمهم وتعاطفهم مع امريكا ابان وقوع احداث‏11‏ سبتبمر لايعرفون انهم سيكون ضمن الاهداف المرشحه للضرب في المخطط الامريكي القادم‏.‏ان الاداره الامريكيه تتعامل مع محنتها الان من منطلق‏(‏ رب ضاره نافعه‏),‏ وذلك بالطبع يمثل درجه عاليه من الذكاء والمكر السياسي يمثله الثلاثي‏(‏ باول‏,‏ كوندوليسارايس‏,‏ وديك تشيني‏,‏ ورامزفيلد‏..‏ مع التنويه بان ثلاثه من هذه المجموعه هم مهندسو حرب الخليج‏).‏ان نجاح هذا المخطط سيجعل كثيرا من التسويات الاقليميه ومن ضمنها الملف الاسرائيلي الفلسطيني يتم بشكل حاسم وسريع لا مجال لمصطلحات التفاوض‏,‏ والحقوق الثابته‏,‏ ومباديء تقرير المصيرفيه‏...‏ انظمه كثيره مرشحه للاختفاء‏...‏ ومنظمات كثيره ستفقد مصداقيتها وشرعيتها وعلي راسها الامم المتحده ذاتها‏..‏ ان تحالفا بين الصين وكثير من دول العالم الثالث والرابع يلوح في الافق في الامد البعيد‏,‏ من التداعيات المحتمله لتنفيذ مثل هذا المخطط ايضا تفجر الصراعات الدينيه بشكل دموي ليس علي مستوي الدول والحضارات فقط‏,‏ ولكن علي المستوي المحلي داخل كثير من الدول التي تحتوي تركيبتها الديموغرافيه طوائف واقليات دينيه‏...‏ان عوامل كثيره قد تحول دون تحقق هذا المخصص او قد تنجح علي الاقل في تقليص مداه علي مستوي المكان والشكل والمضمون‏.‏ منها مايلي‏:‏‏*‏ ان تنجح بعض الاصوات في اوروبا وفي اماكن اخري في اقناع الاداره الامريكيه بالعدول او الاعتدال في تنفيذ المخطط‏,‏ ولعل زياره شيراك القادمه الي الولايات المتحده تكتسب اهميه خاصه من هذا المنظور‏.‏‏*‏ ان يتم استيعاب الحقيقه التي رسخها يوم الحادي عشر من سبتمبر بان الافراد والمجموعات يمكنهم ان يصبحوا لاعبين مؤثرين في مجريات السياسه الدوليه‏(‏ ان ظاهره الاستشهاد في المضمون الفلسطيني‏,‏ والان في المضمون الامريكي قلبت كثيرا من مفاهيم القوه العسكريه والتفوق التكنولوجي كمعايير احاديه تعكس القدره علي الفعل والتاثير‏,‏ بل والتفوق ايضا‏),‏ وبالتالي فان تنفيذ المخطط الامريكي المحتمل سيؤدي بدون شك الي تفريخ مزيد من اجيال الاستشهاد والتضحيه‏,‏ وبالتالي قد يدعو ذلك البعض الي التعامل مع اسباب المشكله بدلا من اعراضها‏.‏‏*‏ ان يحدث تغيير ملحوظ في دعم الراي العام الامريكي بعد ان يبدا المخطط‏,‏ ويبدا كثير من جثث الضحايا الامريكان في بقاع كثيره في العوده الي امريكا‏(‏ وهي مشاهد تكررت كثيرا اثناء حرب فيتنام ادت الي تغيير ملحوظ ورفض واضح للتورط الامريكي في فيتنام‏),‏ وبالتالي سيكون ذلك عاملا ضاغطا علي الاداره الامريكيه رافضا لاستكمال تورطها الخارجي‏,‏ اكدت استطلاعات الراي العام ان اكثر من‏86%‏ من الامريكيين يؤيدون عملا عسكريا خارجيا للانتقام‏,‏ ولكن في حاله اكتشاف مدي وحجم الحمله المحتمله‏,‏ فقد يبدا هذا الدعم في التلاشي التدريجي‏.‏‏*‏ ان يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر يقدم فرصه ذهبيه وحقيقيه للولايات المتحده الامريكيه لتعيد صياغه النظام الكوني الجديد من حيث شكله ومضمونه بما يتوافق ومصالحها‏,‏ ولكنني ادعي القول انه يمكنها تحقيق ذلك من خلال وسائل اكثر تحقيقا لشرعيه قيادتها لهذا النظام‏,‏ واكثر ضمانا لاستمراريته‏.‏تاسيسا علي كل الهواجس السابقه‏,‏ فان الخريطه الكونيه مرشحه لتعديلات وتغييرات عده قد تكون دمويه في اغلبها وذات اثار بعيده المدي قد تشكل مجري احداث تاريخ البشر لعشرات من السنين قادمه‏.‏

نشرت هذه المقالة في جريدة الأهرام في 19 سبتمبر 2001