Wednesday, November 01, 2006

سبتمبر 11 و أوراق من ثقافة العجز -الجزء الثالت

هل تنجح سياسة "البلدوزر" الأميركي؟
ورقة ثالثة: قراءة مختلفة لأمريكا
يمكن القول أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر- رغم جانبها المأساوي الإنساني- مثلت فرصة نادرة للولايات المتحدة الأميركية- لتعيد صياغة أجندة مجريات السياسة الدولية والعلاقات بين الأمم طبقاً لإطار يحقق مصالحها بشكل غير مسبوق في تاريخها منذ استقلالها.. ولعلي أدعى أن الذي خلق هذه الفرصة السانحة النادرة ليس تفجيرات مركز التجارة العالمي، وإنما حقيقة ردود الفعل العالمية بكل مستوياتها.
فتفجيرات سبتمبر، أحدثت ترويعاً وخوفاً وانكساراً للهيبة الأميركية وقتلاً جماعياً لم تشهده في تاريخها، كما أحدثت ارتباكاً وتخبطاً وفزعاً على مستوى متخذي القرار الأميركي.. إلا أن ردود الفعل العالمية، دولاً ومنظمات أعادت للولايات المتحدة الأميركية ثقتها بنفسها وأعادت لها توازنها النفسي وإدراكها لذاتها. بأنها القوة الأعظم بدليل انصياع الجميع لها دولاً ومنظمات من شمال العالم وجنوبه وشرقه وغربه، وبالتالي لابد أن تكون استجابتها منسجمة مع رؤية العالم لها من ناحية، وموازية للشرخ النفسي الكبير الذي أحدثته هذه التفجيرات في نفسية المواطن الأميركي ووعيه من ناحية أخرى.
إلا أن الأمر الأكثر أهمية، أن صانعي السياسة الخارجية الأميركية رأوا- على صواب- في انصياع العالم لهم- خوفاً أو طمعاً- فرصة حقيقية لإعادة ترتيب أوضاع العلاقات بين الأمم والشعوب. بشكل يخدم أهداف أميركا الإستراتيجية لحقب قادمة:
فتحت مسمى مكافحة الإرهاب متى كان وأين كان يمكن فتح كثير من الملفات القديمة وتسويتها بشكل نهائي. فكثير من الدول والمنظمات التي أتهمت بالإرهاب في يوم من الأيام. عليها اما الانصياع بالشكل المطلوب كما تراه أميركا، وإلا عليها تحمل النتائج الوخيمة.. وبالتالي سيقوم البلدوزر الأميركي، باجتياح أراض كثيرة مدعوماً بشرعية دولية، قد تكون كاملة أحيانً ومنقوصة في أحيان أخرى، حسب نوعية الأرض التي يتم اجتياحها أو قصفها ونوعية التبريرات والدعاوي المستخدمة كذريعة لذلك. أصوات كثيرة طالما علت. من دول ومنظمات وأفراد. رافضة السياسات الأميركية مناهضة لها قولاً وفعلاً ستخبو وتتحول إلى الهمس أو الصمت المطلق تتساوى في ذلك صيحات حق تقرير المصير أو مناهضة العولمة، فالكل سيخشى الاتهام بالإرهاب، والصمت بدوره سيساعد كثيراً على تمادي أميركا في "سياسة البلدوزر" الكاسحة لكل النتوءات غير المرغوبة، وبالتالي ستتدفق القوات الأميركية والعتاد الأميركي إلى مناطق كثيرة من العالم تعقباً لبؤر الإرهاب وقواعده. وإن كنت أعتقد أن هذا التدفق سيتركز في مناطق دون غيرها. خدمة لرؤي إستراتيجية حيوية لمصالح أميركا في الربع قرن القادم..
أولها: منطقة الخليج العربي وشمال أفريقيا- ولعل بدايات هذا التمركز العسكري بدأت منذ فكرة جيمي كارتر بإنشاء "قوة التدخل السريع"، وأصبحت أكثر وضوحاً إبان حرب الخليج، بدعوى الحفاظ على بترول الخليج والدفاع عن أصدقاء أميركا ضد التهديد السوفياتي تارة، ثم الإيراني ثم العراقي تارة أخرى.. إلا أن التهديد الكامن على الأمد الطويل كان ولا يزال شبح أوروبا الموحدة كمنافس حقيقي وعدو محتمل " للولايات المتحدة في مستقبل الأيام. وبالتالي فالوجود الأميركي في هذه المنطقة الحساسة من العالم، هو احتواء مبكر لأوروبا الموحدة وما قد تحمله من تهديد لأميركا ومصالحها.
وثانيها: منطقة وسط أسيا والنمو المتصاعد للصين كدولة عظمى قد تحل قريباً محل الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى تنامي قوى نووية أخرى مثل الهند وباكستان. وبالتالي فالبناء العسكري الأميركي في هذه المنطقة تحت مسمى مطاردة الإرهاب وفلوله. يخدم أهدافاً إستراتيجية واضحة.
بناء على ما سبق. يمكن الدفع بقوة، بأن محاربة الإرهاب ستستخدم كذريعة مشروعة من الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق مآرب وأهداف مختلفة لا علاقة للإرهاب بها. فاستخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية سيستمر ما دامت التيارات السياسية المتطرفة "يمينية- أو "يسارية" تمنع من الوجود والمشاركة المشروعة من خلال قنوات المشاركة السياسية المتاحة في أي نظام من الأنظمة لا علاقة لذلك بإسلام أو مسيحية أو يهودية، فاليمين- على سبيل المثال- في حالة صعود ومد في دول كثيرة من العالم، والتيارات اليمينية المتطرفة تفعل فعلها، العنيف – الإرهابي- في الولايات المتحدة "أحداث أوكلاهوما" وفي إسرائيل "اغتيال إسحاق رابين، وفي مصر "أحداث الأقصر، وغيرها من الدول.
وبالتالي ستستمر هذه التيارات في الوجود ما دامت ممنوعة من الوجود السياسي والتعبير السياسي المشروع. أياً كانت أسباب هذا المنع، وان كانت أسباب المنع أكثر عمقاًُ وأهمية من ذريعة الحفاظ على الشكل الديمقراطي للعبة السياسية ، بدليل منع التيار الإسلامي من تسلم السلطة في الجزائر، رغم مشاركته المشروعة طبقاً للقواعد الديمقراطية للنظام الحاكم .. وفي المقابل أيضاً منع سيلفادور الليندي في تشيلي 1973 من السلطة رغم المشاركة المشروعة طبقاً للقواعد الديمقراطية المعمول بها، فأسباب منع التيارات الموصوفة بـ"التطرف" أكثر عمقاً من المزاعم المطروحة- إلا انه أياً كانت الأسباب فإنها تؤدي بها إلى استخدام العنف كوسيلة للتعبير عن ذاتها.
فإذا كانت أميركا تهدف إلى محاربة الإرهاب حقاً لكانت جهودها منصبة على مزيد من الديمقراطية في الأنظمة العربية والإسلامية التي تتهمها بأنها مصدر الإرهاب .. وكأن للإرهاب هوية وديناً. ولكانت مدت يد المساعدة الاقتصادية لتمكين هذه الدول من إحداث تنمية حقيقية تساهم في القضاء على الفقر والجوع والبطالة وتحسين فرص الحياة .. تلك هي المحاربة الحقيقية للإرهاب .. أما بغير ذلك فالإرهاب مستمر ما استمرت أسبابه.
ب- ومصطلح "محاربة الإرهاب" أيضاًَ أعاد للسياسة الخارجية الأمريكية إطارها المرجعي الذي افتقدته منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وبالتالي أعاد لهذه السياسة "المبرر" و"المسار" و"الهدف".
فمحاربة النفوذ السوفيتي والمد الشيوعي" كان إطاراً مرجعياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية استخدم كمبرر للتحرك الأميركي في بقاع مختلفة من العالم، وصنفت بموجبه دول العالم "مع" أو "ضد" الولايات المتحدة، من منطلق أين تقف هذه الدول في سياساتها مع الاتحاد السوفيتي، إلا أن سقوط الاتحاد السوفيتي المدوي أوجد حالة من الإفلاس الفكري السياسي لدى صناع السياسة الخارجية الأمريكية، الذين لم يتعودوا رؤية دول العالم الثالث وشعوبه بمعزل عن الاتحاد السوفيتي ... ودخلت السياسة الخارجية مرحلة تخبط ومتاهة على مستوى التأصيل النظري إلى أن وجدت ضالتها في "الإرهاب" منذ الحادي عشر من سبتمبر. فعاد صناع السياسة الخارجية الأمريكية يقسمون العالم – كما كانوا يفعلون أيام الاتحاد السوفيتي – إلى معسكرين: معسكر ضد الإرهاب ومعسكر يدعمه ويؤويه. ومن ليس معنا فهو ضدنا، ولم يعد هناك ألوان رمادية في قاموس السيد بوش ومجموعة Think Thank المحيطة به، وعاد الغطاء الأخلاقي مرة أخرى- تماماً مثل أيام الاتحاد السوفيتي- للخطاب السياسي والإعلامي الأميركي ممثلاً في قوى "الخير" التي تحارب قوى "الشر" قوى "الشيطان". من هذا المنطلق سيكتشف الكثيرون في دول العالم الثالث "أنظمة ومنظمات" أنهم من قوى "الشر" وحلفاء "الشيطان" بسبب مناداتهم بحق تقرير المصير أو حتى بحقهم في حياة أفضل.
ج- إن صحة التحليل في البندين السابقين. قد يؤدي إلى تداعيات مستقبلية من أهمها:
§ فرض كثير من التسويات للمشكلات والصراعات الإقليمية المعقدة- بما يتراءي لصناع السياسة الخارجية الأمريكية ويتفق مع مصالحها .. وفي مقدمة هذه الصراعات يأتي الصراع العربي الإسرائيلي الذي سيسوى في ضوء معطيات غير مواتية لحل يضمن الحدود الدنيا من حقوق الشعب الفلسطيني فسياسة الحديد والنار والشارونية، والمباركة الأمريكية وغياب أي دور عربي فاعل وإخماد التيارات الإسلامية المقاومة للإحتلال، لابد وأن يترك سلطة فلسطينية ضعيفة ومحاصرة لا خيار لها إلا خيار التوقيع على تسوية أساسها التصور الأميركي- الإسرائيلي لإنهاء الصراع.
إن أي مناهضة أو رفض لهذا التصور أو إصرار على مواصلة مقاومة الاحتلال، سيضع أصحابه في خانة الشيطان وقوى الشر، الذين لم يعد لهم مكان في خارطة الولايات المتحدة الأميركية الجديدة لهذا الكون.
§ تزايد الإحساس بالظلم- كرد فعل لسياسة البلدوزر الأمريكية- لدى كثير من الشعوب وبالذات في الدول العربية والإسلامية، وتفجر كثير من الصراعات الطائفية والدينية داخل بعض الدول التي تحتوى تركيباتها السكانية على أقليات دينية .. ولعل بعض الدول في افر يقيا وآسيا ستكون المرشح الطبيعي الأول لمثل هذه الصراعات.
§ التوجيه التدريجي لكثير من الدول في عالمنا الثالث نحو الصين أولاً ثم نحو أوروبا ثانيا لعقد اتفاقات استراتيجية تذكرنا باتفاقات التعاون العسكري مع الاتحاد السوفيتي في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وهو الأمر الذي يدفع العالم- في حالة تحقق ذلك- إلى ظاهرة الاستقطاب الدولي مرة أخرى.
§ تخصيص مزيد من الموارد والأموال للأبحاث والتطوير في المجالات العسكرية في أميركا وبعض الدول الأوروبية كنتيجة طبيعية لتقييم أداء كثير من الأسلحة على الأراضي الأفغانية، وفي أراض أخرى، وهو ما سيلقي بأعباء متزايدة على الميزانية الأمريكية والاقتصاد الأميركي في السنوات القادمة، كما ستظهر مفاهيم جديدة للأمن والأساليب والأدوات التكنولوجية اللازمة لتحقيقه داخل الدول الصناعية حفاظاً على منشآتها الحيوية، وسلامة مواطنيها.
§ تسارع وتيرة العولمة بجوانبها المختلفة. وإن كان البعدان السياسي والعسكري سيكتسبان أهمية متزايدة، على حساب الجوانب الاقتصادية والمالية التي كانت تشكل الجوانب الأكثر أهمية في ظاهرة العولمة بينا ستشهد الجوانب الثقافية للعولمة ارتداداِ واضحاً كرد فعل منطقي لكثير من الشعوب التي سيدفعها القهر والظلم والتمييز وإجراءات السفر، وسياسات الهجرة وتأشيرات الدخول إلى الرجوع إلى تراثها والاعتداد بأصولها الثقافية وتاريخها.
§ تكريس فشل النظام الليبرالي – نظرياً وعملياً- في التعامل مع الأزمات الخارجية والداخلية الكبرى ففي أثناء الأزمات، مثلما حدث إبان الحادي عشر من سبتمبر وكما هي الحال تماماً إبان الفترة المكارثية في الخمسينات من القرن الماضي، تلجا أميركا إلى أدوات ووسائل قمعية، وتصدر القوانين والإجراءات الاستثنائية المناقضة لطبيعة ومحتوى النظام الليبرالي لتتعامل مع أزماتها ضاربة بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية عرض الحائط.
§ إن هذا الفشل المتكرر يفرض تساؤلات جوهرية حول مصداقية النظام الليبرالي – كنظرية ونظام- يدعي تناقضه وعداءه المطلق للنظم الشمولية والدكتاتورية في العالم.
§ فقدان منظمة الأمم المتحدة لما تبقى لها من هيبة وشرعية وجود، ذلك أن كثيراً من الترتيبات والتحركات الأمريكية التي ستحدث في بقاع كثيرة من الأرض ستكون متعارضة مع ميثاقها,, ولا يستبعد والحال هذه ، أن تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى إنشاء كيان تنظيمي دولي جديد يكون أكثر انسجاماً مع عالمنا الذي بدأت في تكوينه بعد الحادي عشر من سبتمبر الماضي.
§ ظهور بوادر خلافات وانشقاق داخل التحالف الغربي المؤيد للولايات المتحدة الأمريكية في سياستها ضد الإرهاب- وبالذات عندما تبدأ الأقدام الأمريكية في اجتياح أراض. ليس هناك اتفاق مسبق. أنها كانت مهدا للإرهاب أو مصدراً له .. إلا أن هذه الخلافات لن تكون بالخطورة التي تدفع ببعض دول التحالف الغربي إلي تعريض مصالحها مع الولايات المتحدة الأميركية للخطر.
§ تأسيسا على كل ما سبق يمكن القول انه تلوح في الأفق فرصة حقيقية أساسها أولاً عدم قبول الآخر لنا رغم تفاوت سياساتنا وتوجهاتنا نحوه.
§ وأساسها ثانياً: تحول كثير من الأجواء والبيئات في أمبركا وأوربا إلى أجواء وبيئات طاردة- في الأمد القصير على الأقل- لنا ولاستثماراتنا، وأساسها ثالثاً: الاستخفاف وعدم الالتفات الى كثير من مطالبنا المشروعة وحقوقنا ولو في حدها الأدنى.
§ ومن ثم قد تكون الفرصة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لبدء الكلمات الأولى في حوار عربي – عربي جاد اعتقد أنه لدى المثقفين والمفكرين العرب بمختلف انتماءاتهم الكثير للإسهام به لتحديد شكله ومضمونه ومساره ,. فمن يدري لعل الحادي عشر من سبتمبر يمثل فرصة لنا كعرب لبدء عقد جديد، كما مثل فرصة لأميركا تحاول من خلالها خلق عالم جديد لن يكون لنا وجود فاعل فيه، إلا إذا أمكننا تحقيق وجودنا الفاعل داخل أوطاننا أولاً، فتلك هي البداية الحقة للحفاظ على أوطاننا هذه على خارطة الكون الجديد.

3 comments:

Anonymous said...

أتابع مدوّنتك منذ مدة، منتظراً الجديد في كل مرة. أظن الجديد سيكون أبعد منالاً بعد منصبك الجديد. تمنياتي لك بالتوفيق

Anonymous said...

السلام عليكم

يعطيك العافية

لكن بغيت اسال
هل هذه المودنة هي للاستاذ محمود جبريل

المختص بالاستراتيجية

وشكرا

Anonymous said...

أهلا،
أنا مدونة تونسية، أردت التعريف بيوم غرة جوان، ندعو جميع المدونين المغاربة التكاتف والتدوين من أجل مغرب عربي كبير يوم غرة جوان 2007,
لمزيد من التفاصيل http://trapboy.blogspot.com/
يوم سعيد

أما عن مدونتي فهي www.anaisnin.blogspot.com